سمسمة
عدد المساهمات : 66 نقاط : 111219 تاريخ التسجيل : 14/09/2009
| موضوع: نزار قباني السبت أكتوبر 10, 2009 2:56 am | |
| مر بالشعر العربي كثيرون, وكثيرون منهم عباقرة و"فطاحل" في عالم الشعر غير أن واحدا فقط, أثار من الضجيج والحب والكراهية والاعجاب والرفض, ما لم يثره الآخرون هونزار قباني شاعر الحب والمرآة, والوطن وديوان العشق العربي على مدى خمسين عاما , توفي في الثلاثين من ابريل (نيسان) سنة 1998 وترك لنا 35 ديوانا وكتابا, من أجمل ما كتب في الشعر العربي, وشجون الانسان العربي
عرف نزار قباني في شرق الوطن العربي وفي غربه, وقرأ له رجال ونساء, وأعجب به صغار وكبار, وصارت دواوينه مثل روايات احسان عبد القدوس, مما يزرع في المخدة أو يهجع في السرير
**المدلل**
ولد نزار قباني سنة 1923, في" مئذنة الشحم" في دمشق, ليعيش طفولته مدللا بين اخوته, في منزله الدمشقي الأصيل, وهو من البيوت الشامية القديمة, ويتكون من طابقين, أحدهما باحة مكشوفة مصنوعة من الرخام والأعمدة الرخامية, التي يتسلقها الياسمين الأبيض والورد الأحمر وفيها شجر الليمون, وفي منتصف الباحة نافورة مياه
نشأ نزار في هذا الجو الرومانسي الجميل, تربطه بأمه علاقة حميمة. فقد ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره, وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره, حتى قالوا عنه انه يعاني من عقدة "اوديب" عاشق أمه, حتى أن بعض العلماء النفسيين أخذ يطبق علم النفس على شعر نزار, ويرى أن سر استعماله كلمة "نهد" هو طول فترة رضاعته
وعندما كان في الثالثة عشرة من عمره كان ضيوف أبيه يسألون: "ماهي اهتمامات نزار؟" فيجيبهم والده بكل بساطة :"ابني يريد أن يكون شاعرا" فيتغير لون سائليه, ويتصبب العرق البارد من جباههم ويلتفتون الى بعضهم قائلين: "لا حول ولا قوة الا بالله..قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا
لكن نزار لم يبدأ حياته شاعرا بل بدأ بأشياء فنية أخرى مثل الرسم, وكان مولعا بالألوان ويصبغ الجدران بها. وأدرك أن لن يكون رساما عبقريا, فقرر أن يجرب الموسيقى والتلحين, فأحضر عودا وطلب من أمه أن تأتي له بأستاذ يعلمه العود والموسيقى. وبدأ يتلقى دروسه الموسيقية. لكن الأستاذ بدأ معه بطريقة غير موفقة, فقد بدأ يعلمه النوتة الموسيقية, وهي علم مثل الرياضيات, حسب قوله, وهو يكره الرياضيات
**ميلاده الشعري**
كان عمره 16 عاما, عندما سافر سنة 1939 في رحلة بحرية الى روما مع المدرسة. وأثناء وقوفه على سطح السفينة, شاهد الأمواج والدلافين, وهي تقفز حول الباخرة فجأة أول بيت شعري ثم الثاني والثالث الرابع, وهكذا فنزل سريعا وكتب الأبيات كي لا ينساها ولا تضيع, واضعا اياها طي الكتمان حتى لايسخر أصحابه. ونام تلك الليلة, ولأول مرة في حياته, يوم 15 أغسطس شاعرا للمرة الأولى واستيقظ وهو شاعر أيضا
التحق نزار بكلية الحقوق لدراسة القانون ولم يمارس قضية الدفاع في حياته الا عن قضية واحدة, وهي قضية المرآة
عندما كبر نزار قباني وصار شابا, لم ينفصل عنه الطفل, بل كبر معه بكل سلوكياته الصاخبة وأنانيته. وعندما فشل في أن يكون رساما أو موسيقيا, قرر أن يكون شاعرا, وهو يعرف تماما أن التفرد لن يكون الا بالاختلاف , وهي موهبة لا يجيدها كثيرون
ومنذ ديوانه الأول "قالت لي السمراء" الذي أصدره نزار قباني, الطالب في كلية الحقوق, وعلى نفقته الخاصة, أثار هذا الصوت المختلف جدلا عنيفا, وصفه نزار في ما بعد فقال "لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون, وكان لحمي يومئذ طريا
ويسهل أن نتصور رد الناس على شاعر لم يبلغ العشرين من عمره يتوجه لهم بقصيدة عنوانها "خبز وحشيش وقمر" , ينتقد بها سلوكياتهم. فقد هلل أناس للقصيدة, بينما طالب آخرون برأس من قالها, ويبدو أن الضجة أثارت شهية الطفل الشاب نزار ووجدها أول سطر في كتابه الأسطوري
**العمل الدبلوماسي**
تخرج نزار سنة 1945 من كلية الحقوق في جامعة دمشق, ثم التحق بوزارة الخارجية السورية, وانتقل في العام ذاته الى القاهرة موظفا دبلوماسيا في السفارة السورية. وكان عمره انذاك 22 عاما, وكانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي والصحافي والاذاعي, وكان نزار يحمل في جعبته ديوان شعر جديد اسمه خارج عن المألوف في عالم الكتاب وهو "طفولة نهد". وكانت صياغته الشعرية غير مألوفة أيضا في ذلك الزمان
قدم نزار الديوان لثلاثة من نجوم الفكر والصحافة والنقد, هم : توفيق الحكيم, وكامل الشناوي, وأنور المعداوي, الذي تحمس للشاعر الشاب, فكتب مقالا نقديا عن الديوان وحمله الى أحمد حسن الزيات, صاحب مجلة "الرسالة" المصرية. ولما كانت "الرسالة" كجلة محافظة, نشر الزيات نقد المعداوي, لكن بعد أن غير عنوان الديوان من "طفولة نهد" الى "طفولة نهر", فقال نزار تعليقا على هذا: "وبذلك أرضى (حسن الزيات) صديقه الناقد أنور المعداوي وأرضى قراء الرسالة المحافظين, الذين تخيفهم كلمة النهد وتزلزل وقارهم, ولكنه ذبح اسم كتابي الجميل من الوريد الى الوريد
وهكذا شهدت القاهرة ميلاد شاعر انطلق في بيئة تحفل بطه حسين, وعباس محمود العقاد, وعبد القادر المازني, وعبد العزيز البشري, وأحمد أمين, وبشر فارس, ودريني خشبة, وأحمد حسن الزيات, ومصطفى صادق الرافعي, ومحمود حسن اسماعيل, وبيرم التونسي, وابراهيم ناجي, ونجيب محفوظ, ويحيى حقي, وعزيز أباظة
وهكذا تعود على مصر وتعودت مصر عليه وصارت تعتبره واحدا من شعرائها أو من أولادها. لكن حياة الدبلوماسيين لا تستقر بهم, فانتقل نزار الى العمل في عدة عواصم بعد القاهرة, منها: أنقرة ولندن ومدريد وبكين وبيروت
وظل نزار يعمل في الخارجية السورية أكثر من 20 عاما, حتى استقال منها عام 1966, وأسس دارا للنشر باسمه في بيروت, متفرغا بذلك لقراره الوحيد, وهوالشعر
يا أصدقائي
جربوا أن تقرؤوا كتاب ..
أن تكتبوا كتاب..
أن تزرعوا الحروف..
والرمان ..
والأعناب..
أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب
فالناس يجهلونكم..
في خارج السرداب
الناس يحسبونكم
نوعا من الذئاب ...
| |
|